هنتكلم عن أغنية ممكن نقول عنها أنها أغرب أغنية اتعملت في فترة التسعينات.
غرابة الأغنية جاية من أنها اتولدت من رحم تلات اغاني غيرها، يعني من الأخر كده تقدر نقول ان ليها اكتر من أب ويمكن اكتر من أم كمان، ببساطة شديدة الأغنية كلماتها وألحانها متاخدين من أغاني اتعملت قبل كده، يعني الكلمات من أغنية واللحن من أغنية تانية .
خلينا نحكي الحكاية من الأول
، في أول الثمانينات نزلت أغنية اسمها “عرفتيني” اللى كتب كلماتها الشاعر الجميل الراحل “عصام عبد الله” ولحنها ووزعها الموسيقار “هاني شنودة” كلمات الأغنية كانت بتقول “عرفتيني على جناح الأمل طاير بغني لفوق انا شراع الوفا السابح في بحر الشوق” وغناها ممدوح قاسم عضو فرقة المصريين اللى معروف عند الجمهور بالمطرب اللى كان بيقول بصوت رخيم “ماتحسبوش يا بنات ان الجواز راحة” ونزلت في ألبوم “أبدأ من جديد” لحد هنا ومفيش أي غرابة في الموضوع.
هتعدي سنين مش كتيرة ونخش اخر الثمانينات تحديدًا في الفترة اللى بدأت فيها الإنتفاضة الفلسطينية الأولي المعروفة بانتفاضة الحجارة
اللي كان ليها تأثير كبير على بعض الشعراء وكتاب الأغاني ومنهم الشاعر “جمال بخيت” اللى كتب قصيدة احتفاء بالقضية الفلسطينية سماها “فلسطيني” بيقول فيها ” رفاقي الوحدة والمنفى وشوق الريح مهاجر من وطن ضايع لقلب جريح”.
كلمات القصيدة دي عجبت المطرب على الحجار وقرر انه يغنيها ورشح الملحن جمال لطفي عشان يبتدي في تلحينها.
بالفعل لحن جمال لطفي الكلمات لكن اللحن كان هادي رومانسي على عكس مضمون مفردات القصيدة اللى كانت مليانة ثورية وحماس، وده خلي على الحجار يرفض أنه يغني اللحن لأنه على حد قوله كان عاوز لحن قوي ملحمي يعكس فكرة كلمات القصيدة، وده خلاه يروح للملحن فاروق الشرنوبي عشان يعيد تلحين الكلمات من جديد وتنزل بعد كده في ألبوم “لم الشمل”.
رفض اللحن من على الحجار خلى جمال لطفي يصر على أن اللحن لازم يتغنى وأنه محتاج فرصة تانية لكن طبعا هتبقى مع مطرب تاني وأكيد مع كلمات تانية.
وقتها كان جمال لطفي عضو مهم في فرقة يحيي خليل وكان عازف العود والقانون في الفرقة، وتصادف ان يحيي خليل كان عاوز يبدأ محاولاته كمنتج موسيقي فأخد اللحن منه عشان يقدم بيه الصوت الجديد “حمدي صديق” اللى هيبقي ملحن مشهور بعد كده.
بدأت رحلة البحث عن كلمات ورشحوا الشاعر “شوقي حجاب” عشان يكتب على اللحن، وكتب بالفعل أغنية سماها “عجبتيني” اللى كانت عنوان لأول أول ألبوم للمطرب “حمدي صديق” ودي كلامتها بتقول “عجبتيني سحرتيني زمان قابلك وانا مقابلك في حلم خيال سنين عمري خيول تجري وانا الخيال”
للمرة التانية بيقابل اللحن ده سوء حظ لكن المرة دي هيكون في عدم النجاح ورغم ده فضل جمال لطفي مصر أنه لازم اللحن ينجح بأي شكل حتي لو اضطر انه يعيد تقديمه بصوت تالت وبكلمات تالتة.
الموضوع بقا اشبه بالفرصة الأخيرة ل اللحن ده، عشان كده قرر انه يختار نجم كبير يغنيه، فعرضه على المطرب ايمان البحر درويش اللى كان في عز نجوميته وقتها وعجبه اللحن جدًا وقرر انه يعيد غناؤه مرة تانية.
هنا بقا كانت المفاجأة والغرابة بدل ما يكتبوا كلمات جديدة قرروا أنهم ياخدوا كلمات أغنية “عرفتيني ” اللى قلنا عليها في الأول ويركبوها على اللحن مع بعض التعديلات زي حذف كوبليه واضافة كوبليه تاني، عشان في الأخر تطلع الأغنية بكلمات فرقة المصريين ولحن أغنية عجبتيني لحمدي صديق اللحن المفروض انه كان لأغنية تالتة اصلا، ونزلت الأغنية الغريبة دي في ألبوم “شمس ودفا” في أول التسعينات ويمكن حققت نجاح أكبر من أغنية فرقة المصريين وأغنية حمدي صديق.
الصدفة الغريبة اننا لو ركزنا شوية مع كلمات كل الأغاني اللي احنا اتكلمنا عنها هنلاقيها واخدة نفس القافية تقريبًا، سواء عرفتيني او فلسطيني او عجبتيني، وحتي أيقاع المذهب والكوبليهات هتلاقيها تقريبًا على نفس الوزن.
المأساوي في القصة أن نجاح اللحن كان فال وحش على جمال لطفي لأنه اتسبب في خلاف كبير بينه وبين يحيي خليل، اللى اتهمه انه باع اللحن اللي اشتراه منه مرتين، ويمكن اللحن ده كان الفصل الأخير في علاقة الأتنين واتسببت في رحيل لطفي من فرقة يحيي خليل.