الوحدة الوطنية بالقتل .. قصة عريان ووهبة
لما نقول الوحدة الوطنية في ثورة 1919 على طول بنفتكر مشهد القمص سرجيوس وهو بيخطب في الأزهر، ومكنش سرجيوس بس اللي خطب، لا دا كان فيه ست يهودية اسمها نظلة ليفي دخلت الجامع الأزهر وخطبت فيه كمان، بس هو شكل الوحدة الوطنية وقف لحد هنا ؟
الإجابة لا .. شكل الوحدة الوطنية تطور لمستوى القتل !
الحكاية لها بطلين مسيحيين الأول هو عريان يوسف سعد والتاني هو يوسف وهبة باشا رئيس وزراء لجنة ملنر
يوسف وهبة باشا من مواليد القاهرة عام 1852، والتحق بالمدرسة البطريركية القبطية، وأتقن الانجليزية والفرنسية والعلوم الرياضية، وبدأ حياته الوظيفية في وزارة المالية والحقانية (العدل)
مع الإنجليز بدأ يوسف وهبة باشا مشواره السياسي بعد الاحتلال بسنة فاتعين سنة 1883 كاتب سر لجنة التحقيق مع رجال الثورة العرابية، وانتدب مرة ثانية ليكون كاتب سر اللجنة اللي حطت قوانين المحاكم الأهلية باللغة الفرنسية، بعدها بقي مستشار في محكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية.
في العمل الوزارة يوسف وهبة باشا كان وزير أكتر من مرة كان وزير الخارجية والمالية وكان أول وزير مصري يوقع على أوراق مالية مصرية، لحد ما جمع المالية ورئاسة الحكومة في 20 نوفمبر 1919 وألف كتب في القانون زي شرح القانون المدني بالاشتراك مع شفيق منصور، وشرح قانون التجارة مع عزيز كحيل.
خلال فترة تولي يوسف وهبة باشا كانت ظروف مصر ملهلبة بالسياسة .. ثورة 1919 اشتغلت ووصلت لجنة ملنر الانجليزية إلى مصر اللي قاطعها الوفد ورموز الحكومة عدا يوسف وهبة، فاتعرض للاغتيال.
الإنجليز كان عندهم دهشة لإن اللي حاول يقتل أراد رئيس الوزراء القبطي مكنش مسلم وإنما مسيحي واسمه عریان یوسف سعد من میت غمر بالدقھلیة، وهو من مواليد يوم ٢٥ مایو ١٨٩٩ لأسرة أرستقراطیة قبطية.
الحكاية تبدأ لما الجهاز السري لثورة 1919 اغتيال يوسف باشا وهبة لتشكيله الوزارة في ظروف سياسية قاطعها حزب الوفد فأصر عريان على إن محدش يقتله غيره وعريان يوسف قال في مذكراته «لا نرید أن نعود لما حدث مع بطرس غالى عندما اغتاله إبراھیم الورداني وكادت أن تحدث فتنة كبرى أنا قبطى مثله، ولن یستطیع الإنجلیز إشعال فتنة جدیدة إذا كان القاتل قبطي».
حصلت عمليات تدریب عریان سعد على إلقاء القنابل وتم رصد تحركات ومواعید خروج ودخول یوسف باشا وهبة وتم تحدید موعد 14 دیسمبر للتنفیذ وراح عريان لكن يوسف وهبة مجاش فتاني يوم 15 دیسمبر 1919 اختار مكان إلقاء القنبلة فى میدان سلیمان باشا وهو ميدان طلعت حرب حاليًا، وجات سیارة رئیس الوزراء الموكب من شارع قصر النیل ووقف عريان في وش الموكب، وورمى على عربية يوسف وهبة بس كان السواق صاحي .. لف بالعربية وانفجرت القنبلة جنب العجلة الخلفیة، فرمى القنبلة التاني فانفجرت قبل ما توصل للعربية واتمسك عريان ويوسف وهبة مماتش.
مصطفى أمين في الجزء الأول من «الكتاب الممنوع أسرار ثورة 1919» من ص 122 حتى ص 124 رسائل بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمي رئيس الجهاز السري، حول عملية اغتيال يوسف باشا وهبة.
مثلا في يوم 17 يناير 1920 جواب من عبد الرحمن فھمى بالقاھرة الى سعد زغلول بباریس قال فيه “حوكم الشجاع عریان أفندى یوسف سعد أمس بوزارة الحقانیة، من الغریب أن المحاكمة تمت فى یوم واحد، لا تسألوا عن ثبات جأش ھذا الشاب وشجاعته التي أظھرھا أثناء المحاكمة فكلھا مما یفخر بھا المصرى أینما كان وحیثما كان، أسأل الله السمیع القدیر ألا یجعل ھذه الحادثة خاتمة أعماله لبلده”.
هل كل الأقباط كانوا على نفس موقف عريان ؟ الإجابة آه .. مثلاً في جوابات سعد زغلول هنلاقيه باعت جواب يوم 8 ديسمبر لعبدالرحمن فهمي بيقول فيه “أعجبت كل الإعجاب بما قام به الأقباط من المظاهرات، والتبرؤ من رئيس الوزراء يوسف وهبة باشا وما كتبه ويصا واصف بك في جريدة الجورنال ديجيبت من الإعتراض الشديد عليه، أرجو أن تبلغ شكري لكل من تقابله من هؤلاء الأقباط عمومًا ولحضرة ويصا واصف بك خصوصًا”
بعد 4 أیام من محاولة اغتيال يوسف وهبة باشا صدر الحكم على عريان بالسجن 10 سنوات أشغالاً شاقة بعدها بـ 4 سنين خرج في قائمة العفو في وزارة سعد زغلول، وبعد خروجه من السجن مقدرش عریان سعد الجامعة لاستئناف تعلیمه بسبب نشاطه السیاسي، فاتعین بمجلس الشیوخ اللي فضل فيه لحد الخمسنينيات ولما جامعة الدول العربیة فتحت أول مكتب لمقاطعة إسرائیل في دمشق سافر يشتغل فيه للعمل وبعدها رجع القاھرة ودخل في مشروع تجاري لإنتاج الورق حتى وفاته في أواخر الخمسينيات.