كوكب تاني في مسيرة مدحت صالح .. البقاء للأفضل
لما نيجي نكتب تاريخ الأغنية المصرية الحديثة لازم نقف عند محطات التغيير اللى حصلت في شكل الأغنية يعني الأغنية كانت قبل ما توصل للمحطة دي شكلها ايه وبعد كده اتحولت بقت ايه.
من المحطات المهمة جدًا والفاصلة في تاريخ الأغنية المصرية ويمكن في تاريخ صناعة الكاسيت كانت محطة سنة 88.
تحديدًا السنة دي اللى شهدت صدور أغنية “لولاكي” اللى حققت مبيعات قياسية وقتها وبرغم النجاح الضخم اللى شافته لولاكي وصنعت نجومية المطرب علي حميدة إلا أن النجاح ده كان وقتي ما استمرش كتير
وبرغم ان علي حميد عمل تلات أربع ألبومات بعدها إلا أنه محققش ربع الى حققه الألبوم ده.
في نفس السنة كان بينافس لولاكي تلاتة أغاني تانية الأولي هي ميال عمرو دياب وعلي الضحكاية لهاني شاكرء وكوكب تاني لمدحت صالح.
لو بصينا على الاربع أغاني دول هنلاقي كل اتنين فيهم بيعبروا عن جيل مختلف عن التاني كوكب تاني وعلى الضحكاية ودول بيعبروا عن جيل الوسط اللى بدأ ثورة الأغنية أواخر السبعينات.
وميال و لولاكي اللى كانوا بمثابة انقلاب جيل الأغنية الشبابية على ثورة جيل الوسط,
بعد 88 الحال اتبدل تمامًا واتغيرت خريطة النجومية في مصر في مطربين بدأوا يظهروا وياخدوا مكان في الصف الأول في أسماء كتيرة تراجعت ٠ وبرغم التأثير الضخم اللى عملته لولاكي في شكل وصناعة الأغنية إلا أن التاريخ لفظ كل ده بسرعة وفضلت كوكب تاني هي الأغنية الوحيدة المكملة معانا لحد دلوقتي.
كوكب تاني كتب كلامها الشاعر والصحفي مدحت الجمال ولحنها سامي الحفناوي ووزعها المايسترو عماد الشاروني.
كوكب تاني هي واحدة من الأغاني اللى بتعبر عن طريقة تفكير جيل الوسط في صناعة الأغنية الجيل اللي كان بيتعب عشان يلاقي كلمات فيها فكرة جديدة ومختلفة وبعدها ويختار الملحن اللى يقدر يوصل له احساس الكلمات وعلى أساس اللحن كان بيتم اختيار مين هيوزعها عشان كده هنلاقي في أغلب شرايط جيل الوسط اسم اكتر من موزع مش موزع واحد بس عكس جيل الأغنية الشبابية.
صفة تانية كانت في جيل الوسط هي اختيارهم للملحنين اللى عندهم اهتمام قوي بالجملة الموسيقية مش مجرد ملحن بيحط تيمة بسيطة ويتكتب عليها أي ويمكن ده سبب تدهور الأغنية المصرية في السنين الأخيرة.
لما سمع مدحت صالح الأغنية أعجب بيها جدًا وماوقفش الأعجاب لحد أنه يغنيها وبس، لاء ده قرر أنه يخوض بيها مغامرة كبيرة جدًا ويشترك في مسابقة غنائية لدول حوض البحر المتوسط هتتنظم في تركياء يمكن مدحت شاف أن فكرة الأغنية إنسانية
تقدر توصل لكل البشر حتى غير الناطقين بالعربية.
في الوقت ده مكنش في بال أي مطرب انه يوصل أغنيتنا لجمهور غير عربي وكان في محاولات بسيطة لمحمد منير بالغناء لجمهور غير عربي لكن كوكب تاني كانت بسبب الاشتراك في المسابقة اختار مدحت الموزع عماد الشاروني عشان يوزعها وشاف أنه أفضل حد موجود على الساحة يقدر يكتب نوت تقدر تعزفها فرقة أوركسترالية كبيرة.
في نفس الوقت الشاروني شاف أن دي مسئولية ضخمة جدًا ممكن ما يقدرش عليها وحاول يتهرب من مدحت اللى كان عنده اصرار شديد أن محدش هيوزع كوكب تاني إلا هو.
كتر الحاح مدحت خلى الشاروني يستسلم وياخد منه شريط الكاسيت اللى متسجل رغم ثقة الشاروني في نفسه كموزع إلا أن مسئولية أنها هتروح مهرجان كانت مخوفاه من التجربة كلها واللي زود خوفه اكتر اصرار مدحت على أنه هيحضر معاه المسابقة في تركيا لأن مدحت نفسه كان متوتر من فكرة أنه يغني على فرقة أوركسترالية كبير مش فرقته الخاصة ودي كانت من ضمن شروط الاشتراك في المسابقة.
فضلت الأغنية فترة عند الشاروني من غير ما يكتب فيها حرف مزيكا واحد» وكتر الحاح مدحت عليه خلاه يقرر أنه يختفي تمامًا بل ان ساب بيت العيلة وراح قعد عند صديقه المطرب “محمد فؤاد” وشدد عليه أنه ما يعرفش حد مكانه خصوصا مدحت اللى كان فؤاد بيشوفه كل ليلة لأنهم بيغنوا سوا في كازينو واحد.
اختفاء الشاروني خلى مدحت في حالة جنون وسأل عليه كل الموسيقين والملحنين ومحدش عارف له طريق جرة: الوحيد اللي عارف مكانه هو محمد فؤاد اللي بيشوفه مدحت كل ليلة» لحد ما صعب مدحت على فؤاد اللي اخده من ايده لحد بيته وقاله اتفضل يا سيدي ادي اللى انت بتدور عليه بقالك شهرين اهو.
انفجر مدحت طبعا في الشاروني وقاله مهما تعمل محدش هيوزعها غيرك وشدد على فؤاد انه مش هيمشي من بيته إلا لما الاغنية تخلص وكل يوم هيجي يشوفه وصل لفين.
بعد معافرة شديدة كتب أخيرا الشاروني نوت التوزيع الموسيقي للأغنية وسجلوها وسافروا هما التلاتة “مدحت صالح” و”مدحت الجمال” و”عماد الشاروني”.
الرحلة كانت مليانة بالمفاجأت؛ أول حاجة كانت طلب المايسترو الأوروبي من الإيقاعية نهائيًا سهر الشاروني مع عازف الدرامز وكتبوا النوت وبدأت البروفات تاني يوم.
رغم انبهار المايسترو بمستوى المزيكا المكتوب إلا أن كان في حلقة مفقودة بين صوت مدحت وبين أداء العازفين اللى مش فاهمين طبعًا الكلمات بتعبر عن أيه.
اقترح مدحت على المايسترو أن اللى يقود الفرقة ويوجها الشاروني اللى كاتب المزيكا وأنه اكتر واحد يقدر يوصل الأحساس المظبوط للعازفين» كانت مفاجأة أن المايسترو الأجنبي ماعترضشي نهائيًا وقرر أنه يسيب عصايته للشاروني عشان يقود الفرقة في البروفات وفي الحفل كمان.
اليوم اللى قاد فيه زمايله في المعهد وقت تسجيله لأغنية “ماتصدقيش” أول أغنية عملها في حياته؛ وافتكر قد ايه كان علي الحجار والموسيقار محمد نوح مبهورين بمستوى المزيكا المكتوبة لدرجة أن نوح قاله انا مشفتش حاجة زي دي من أيام أندريه رايدر وعلي اسماعيل»
وصلنا ليوم الحفلة الأغنية اللى يا هترفعك لسابع سما يا هتاخدك لسابع أرض طبعا وسط كل الأجواء المتوترة دي من بداية صناعة الأغنية كان لازم القدر يحط التاتش بتاعه» الشاروني مكنش في باله أنه هيقود الأوركسترا وطبعا معملش حسابه أنه يجيب بدلة معاه وأن كانت دي مشكلة مش عويصة واتحلت بأنهم اتصرفوا في جاكت بدلة لبسه وطلع الشاروني على المسرح بجاكت ببدلة وبنطلون جينز.
قبل الحفل بثواني مدحت اتوتر جدَا لدرجة أنه نسي كلمات الأغنية ودي مشكلة مالهاش حل جري الشاروني على الشاعر مدحت الجمال اللي كان واقف في للجمهور هنسي الكلام» ففكر الجمال في فكرة أنه يكتب له الكلمات على ايده وكل ما يحس انه هينسي يرفع ايده بسرعة عشان يفتكر الكلام.
لو رجعنا لشريط الحفلة هنلاقي أن مدحت كان علطول رافع ايده وهو بيغني نجحت الأغنية بشكل مكنش حد متوقعه وكسبت الجايزة التالت في المهرجان وكانت دي أول مرة بنشوف مزيكا مصرية بتتعزف قدام الأجانب مش بس كده دي بتكسب جايزة كمان .
رغم بساطة قصة أغنية كوكب تاني إلا أن جواها حاجات كتيرة مهمة منها مثلا أن ملحن الأغنية سامي الحفناوي هو نفسه ملحن أغنية “لولاكي” و”على الضحكاية” اللي بالمناسبة كانت من توزيع عماد الشاروني برضه؛ وده هيكشف لنا أن طرفين نهر المزيكا مكنوش منفصلين عن بعض تمامًا لاء ده في ناس بتعمل شغل ناجح ومهم مع كل جيل.
نقطة أخيرة وهي أن الأغنية اتوزعت بالكامل في بيت محمد فؤاد اللي المفروض انه بينافس مدحت صالح, لكن وبرغم المنافسة إلا أنها عمرها ماولدت غيرة أو حقد بل كان تنافس مشروع جدًا ومش مؤذي في العموم وبيخلي كل واحد يطلع أحلى ما عنده وده كان في صالحنا أحنا كمستمعين.
هتفضل كوكب تاني واحدة من أهم الأغنيات اللي غناها مدحت صالح في حياته وهيفضل شريط كوكب تاني هو درة التاج في شرايط مدحت صالح.