الموسيقى هي الفن الوحيد غير المرئي، واللي مبنستخدمش فيه غير حاسة السمع اللي بتخلينا نتفاعل معاه، وده اللي خلاه الفن الأقرب إلى الروح، لأن المساحات الروحانية بتقل كل ما تزيد الوسائط بينا وبينه، لكن الموسيقى لوحدها بتمر للروح وتحضنها وتاخدها إلى آفاق جديدة في سلاسة مبهرة، ممكن توصل إلى دفع الجسد إلى التمايل والرقص على أنغامها في توحد مدهش ومثير عن طبيعة التأثير ده.
الموسيقى هي لغة التعبير العالمية، والموسيقى هي اللغة اللي بنسمعها في كل شيء في الحياة في الطبيعة في البيت من التليفزيون والكمبيوتر وفى الشغل، في رنات التليفون المحمول، في وسائل المواصلات، هي كل الأصوات الجميلة حوالينا.
ومفيش موسيقى لم ترددها الطبيعة يوما ما، ومفيش صوت إلا ومارسته الطبيعة من قديم الأزل، وكأنها دايرة مغلقة لا تفنى فيها الأصوت ولا تستحدث من العدم، وكأن كل صوت نسمعه الأن هو مجرد صدى لشخص ما أو حدث ما في الزمن البعيد، وتبقى كل الأصوت الخالدة دي في نفوسنا وكأنها مشتقة من الطبيعة، وكأنهم بيحكوا في الأثر أن الله اشتق صوت الرعد وأم كلثوم من نفس المادة مثلا ثم أمرها بالفناء، فاستمر صوت الرعد ولم يتكرر صوت «ثومة».
وتقول الأسطورة أن صوت محمد قنديل تم نحته من شروق الشمس براق وساطع ودافيء، لا يغيب أبدا، أما صوت محمد عبدالوهاب، فتم اختراعه على يد صاحب ماركة «رولزرويس» ولم يتم اكتشافه خالصا في الطبيعة، لأنه يبدو وكأن كل تفاصيله صنعت يدويا حسب رغبة صاحبه الشخصية.
وكان صوت أسمهان يوما ما لطائر الفينيق الأسطوري، بكل ما يحويه من قوة، بينما اشتق صوت محمد فوزي من رعشة أوراق الشجر لحظة سقوط المطر، لأنه صوت مفعم بالبهجة، مليء بالحياة.
وجاء صوت عبدالحليم حافظ من لحظة تمر فيها نسمة العصاري في ليلة صيفية، رقيقة ضعيفة لكنها مؤثرة متأثرة، لأنه إحساسا تجسد في حنجرة إنسان.
ولما غنى أول عصفور على وجه الأرض، راح صوته يسكن حنجرة شادية، لتبقى «الدلوعة» عصفور كناريا الغناء العربي، ومن بياع جوال في عصر المماليك، نادى على بضاعته سكن صدى صوته روح وردة، بكل ما يحمله صوتها من قوة، و هربت نغمة «هارب» فرعوني لتكون نجاة الصغيرة، برقة صوتها وحنانه وانتمائه لذلك الوطن.
ومن خرير شلال هادر خرجت فايزة أحمد، بكل ما عند الشلال من اندفاع وتدفق، ومن ليلة عيد سكنت روح طفل سعيد خرجت صباح، بكل الشقاوة الممزوجة بالسعادة في صوتها، ومن هزة عود وتر أول ربابة اتعملت جه صوت محمد العزبي، محملا بكل قوة تراثنا وعمقه.
ويعرف عن صوت على الحجار أنه صهيل أول حصان مروض على سطح الأرض، بكل اللي عند الحصان من مرونة وجمال وطلاقة، ولكن صوت منير كان زفرة صانع فخار نوبي في لحظة تركيز، شايل كل التميز اللي جاي من الجنوب.
وكأن العود إذا غنى كان فريد الأطرش، أعظم من عزف عليه وكأنهما توحدا، وإذا قررت القهوة أن يكون لها صوت كانت فيروز، بكل ما يحويه صوت فيروز من مزاج وروعة، ومن بين أوتار القانون نشأ مدحت صالح، بشرقية صوته وقدرته اللامحدودة على معانقة النغم.
وعندما غنى الجبل ظهرت حنجرة وديع الصافي، صوت الجبل بكل طبيعته القوية، وعندما قررت الأرض لحظة الانبات أن تعبر عن نفسها جاء صباح فخري بكل ما لدى الأرض من طاقة لا تنضب ولا تنتهي.
حتى الأصوات المنفرة لها أصل في تلك الطبيعة، وربما جاءت من لحظة فوضى، أو صرخة منتشي ظالم، أو بهجة غير صاحب حق .
سيبوا أرواحكم للغناء والموسيقى، متعتبروهاش غذاء للروح هي مش محتاجة تكون غذاء، احضنوها، وارسموها، واطربوا لها وبها، وعيشوها، علموها لأولادكم بكل ما تحويه من نغمات أو أصوات، لما الأوراح تألف الموسيقى تتعلم حب الحياة، وواحنا في أشد الاحتياج لتعلم حب الحياة مرة أخرى في مصر اليومين دول.
