سنة 1956 قدم لنا الموسيقار العبقري محمد فوزي تجربة موسيقية غنائية غريبة جدًا، وهي أغنية “طمني ” اللي لحنها ونفذها موسيقيا من غير اي اله موسيقية خالص، وحط الأصوات البشرية تعمل شغل الألات بصوتها والتجربة دي معروفة عند الموسيقين بأسم “الأكابيلا”.
طبعا التجربة على غرابتها خلت بعض النقاد وبعض اعداء النجاح يمسخوها ويفرغوها من مضمونها، اللى اختلق قصة أن فوزي اختلف مع المزيكاتيه على الاجر فقرر انه يعمل اغنية بالأصوات البشرية، واللى شاف انها تجربة ماتنفعش تتقدم للمستمع المصري، لكن في النهاية التاريخ نصف فوزي في انه اول موسيقار مصري فكر في الفكرة المجنونة دي وأن اللي سمعناه في الأغنية مكنش صدفة ولا عشوائي لا ده عمل موسيقي مكتوب ومعمول فيه شغل صعب جدًا على أي مزيكاتي.
فضلت التجربة دي هي الوحيدة تقريبا في المزيكا المصرية، ومحدش فكر انه يعيدها مرة تانية، لأنها مرهقة جدًا في أنك هتكتب المزيكا بشكل طبيعي جدًا وهتحول الكتابة دي لأصوات بشرية، وكمان محتاجة خبرة كبيرة ودراسة مستفيضة في علم الأصوات والهارموني، ناهيك على صعوبة انك تلاقي كورال عنده القدرة انه يخوض معاك التجربة اللي هترهق صوته جدًا.
هنسيبنا من الخمسينات وهنروح للتسعينات اللى كان ايقاع المقسوم مسيطر على سوق المزيكا في مصر، وتقريبا من بين كل عشر اغاني هتلاقي تسع اغاني مقسوم.
في نفس الوقت كان فكرة أنك توزع أغنية بالأكابيلا او الأصوات البشرية فكرة مجنونة ومستحيلة وسط السوق ده، بس الفكرة دي كانت حلم عند الموسيقار أشرف محروس اللى افكاره دايما كانت خارج نطاق سوق المزيكا في مصر، ومكنش بيشغل باله كتير بأيه شكل المزيكا اللي ماشي اكتر من أنه يعمل حاجة جديدة ومختلفة.
أشرف برضه ذكي قرر أنه يجرب الفكرة ولكن مش بشكل كامل، يعني هيبقي في مزيكا لكن هيضيف أصوات بشرية تبقي جزء من التوزيع الموسيقي.
وفعلا عمل ده مرتين، المرة الاولي كانت مع الهضبة عمرو دياب في أغنية “انسي قلبي” والمرة التانية مع المطرب حسن فؤاد في أغنية “تعالي نتكلم بجد ودول كانت الأصوات البشرية جزء من التوزيع الموسيقي مش كل التوزيع، والأغنيتن دول كانوا من ألحان عبقري مجنون بتجديد المزيكا زيه هو الملحن الكبير رياض الهمشري.
لكن برضه فضل حلم توزيع أغنية يكون فيها الأصوات البشرية النصيب الكبير متأجل، حتى أنه قال الحلم ده في مرة للمطربة الكبيرة ذكري اللى قالت له مسيره يوم يجي ويتحقق.
بعد الأغنيتان اللي جرب فيهم بسنة جاتله أغنية اسمها “مش فاضل لك “عشان يوزعها، هنا لمعت الفكرة من تاني في دماغه وقرر انه ينفذها المرة دي.
الأغنية كان المفروض هتغنيها مطربة كبيرة لكنها اتخضت من اللي ناوي يعمله وحاول يقنعها أنها تغنيها، وبعد محاولات كتيرة رفضت تغني الأغنية،
بالصدفة تمشي المطربة من الأستوديو عشان تيجي بعدها ذكرى، وتسمع الأغنية فتمسك فيها وتقوله يالا بينا نسجلها حالًا، لدرجة انها ما اخدتش وقت طويل في حفظ اللحن ودخلت سجلتها من أول تيك صوت وقررت انها تضمها لألبومها “الاسامي”
رغم أن دي تالت تجربة لأشرف محروس في توزيع أغنية بالأصوات البشرية، لكنها اهم تجربة فيهم، ولو سمعنا الأغنية هنلاقي الأصوات البشرية مسيطرة تقريبًا على 90 في المية من توزيع الأغنية.
التجديد في الأغنية دي مكنش في المزيكا وبس ولكن في بنية الكلمات اللى كتبها الشاعر بهاء الدين محمد، اللى استخدم قالب شعري جديد على الأغنية المصرية، بانه خلي المذهب شطرات كل قافية فيه منفصلة عن التانية وقفل المذهب بنفس قافية أول شطرة، ودي حاجة ماتكررتش كتير في وقت كانت الأغنية تقريبا مصبوبة في قالب شعري واحد برباعبة وسينيو بيرجع لنفس القافية.
اللحن كان للملحن ابراهيم نصير واللي بناه بشكل تصاعدي كويس وكان متماهي مع قالب الكلمات المختلف، واحلي مافيه انه ماعتمدش على قوة صوت ذكرى قد ما اعتمد على انه يطلع احلي ما فيه.
في أغاني بيبقي فيها البطل فكرة الكلمات واحيانا بيقي اللحن واحيانا كتيرة اداء المطرب، أغنية النهاردة البطل فيها هو التوزيع الموسيقي اللى كان مغامرة مجنونة جدًا
من بداية الأغنية مش هنلاقي ولا حرف مزيكا هنلاقي الأصوات البشرية هي الى هتبتدي ، لحد أول حرف مزيكا هيقابلنا من الكي بورد معاه الباص جيتار وإيماءات خفيفة من ذكرى، مع طرقعة الصوابع وبيركشن خفيف وصوت سيمبالة درامز مكتومة مع قفلة كل شطر.
طبعا مش هننسي دور الكورال اللي كان له دور مهم في تنفيذ الأغنية وهما اتنين الأول عازف الجيتار بينو فارس ومعاه عازف الكي بورد والمطرب علاء فراج.